في اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية طرحت فكرة إلغاء النقابات المهنية من الرئيس جمال عبد الناصر متأثراً بالفكر الاشتراكي.
ففي اجتماع 27 نوفمبر 1961 قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر: "لماذا النقابة؟ ومن أجل من؟ هل النقابة يكون فيها المالك أم العامل فقط؟ خصوصاً بالنسبة للنقابات المهنية، نقابة تحمي مصالح من؟ هذا موضوع في الحقيقة مازال غامضاً، وأنا في اجتماع الوزراء قلت هذا الكلام. النقابات عندنا تمثل الأحزاب، إذا كانت النقابات عندنا تمثل الأحزاب نكون سائرين خطأ. النقابات يجب أن تمثل العمال، تحمي مصالح العمال ولا تحمي مصالح الاحتكاريين أو مصالح المستغلين، وياليتكم تعملون لنا بحثاً في هذه اللجنة وتخرجون بنتيجة في موضوع النقابات".
وفي اجتماع 23 ديسمبر 1961 قال الزعيم الراحل أيضاً: "أنا أعتبر نظام المحامين أصلاً نظاماً رجعياً لأن من عنده نقود هو الذي يستطيع أن يوكل أحسن محام، ومن لانقود عنده فمن أين يأتي بمحام، لن يستطيع إحضار محام، أي أن الفرص ليست متكافئة حتى في هذه العملية. العدالة تستدعي- إذا كان فيه عدالة- أن تكون الفرص متكافئة بأن توفر الدولة لهذا الفرصة التي توفرها للآخر.. القادر يكون قاتلاً ويحضر أحسن محام وربما يحصل على البراءة لأن محاميه ماهر، والآخر ربما يكون مظلوماً ولا يتمكن من الحصول على البراءة لأنه أحضر محامياً فاشلاً".
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر زعيم الأمة صاحب الشخصية الكاريزمية الجبارة يطلب إلغاء النقابات المهنية من منطلق فهم خاص للاشتراكية، وكان النقيب الراحل "مصطفى البرادعي" حاضراً اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية، فيقف في اجتماع 27 نوفمبر 1961 طالباً الرد على الرئيس جمال عبد الناصر، قائلاً: " الواقع بعد الملاحظات التي تفضل بها السيد الرئيس فإن الأمر يحتاج إلى بحث عميق دقيق، وأرجو أن يتاح لي هذا البحث في كلمة مقبلة أتحدث فيها بالتفصيل، وإنما اسمحوا لي أن أقول بالنسبة للمحامين على الأقل أنهم في حقيقة أمرهم عمال يرون في عملهم أنهم يؤدون رسالة، وأنهم جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة، فهم بحكم عملهم أحرار وليسوا بموظفين، ولابد من حماية العمل بل حماية الرسالة نفسها، فمن هو الذي يحمي هذه الرسالة؟ لابد من وجود نقابة".
وهنا نقيب المحامين يواجه زعيم الأمة بلا خوف أو تردد ويقارعه الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق مدافعاً عن كيان النقابة، ولم يتعلل ولم يتذرع بأنه أمام رئيس الدولة صاحب الشعبية الطاغية والكاريزمية الجبارة التي قد تعرض لضغوط فآثر الصمت.
ويعقد البرادعي نقيب المحامين اجتماعاًت مع نقباء النقابات المهنية وينتهوا في يونيه 1962 إلى إرسال برقية إلى رئيس الجمهورية يرون فيها الإبقاء على النقابات المهنية ويستجيب الرئيس جمال عبد الناصر.
لا أدري لماذا تذكرت تلك الواقعة وأنا أقرأ عناوين جريدتي "الدستور" و "المصري اليوم" صباح يوم السبت الموافق 20 يونيو 2009، فعنوان الدستور "أحمد عز يشكل هيئة مكتب نقابة المحامين في الفورسيزون" وعنوان المصري اليوم "أحمد عز يعقد اجتماعاً لاختيار هيئة مكتب المحامين بحضور خليفة" وتفاصيل الأخبار أن أمين التنظيم بالحزب الوطني يتدخل في تشكيل هيئة مكتب نقابة المحامين في سابقة هي الأولى من نوعها.
دارت المقارنة في ذهني بين النقيب البرادعي رحمة الله عليه وهو يواجه زعيم قومي ويقنعه من منطلق أنه نقيب قوي لنقابة قوية وبين نقيب ساندناه بقوة آملين فيه القوة، ولكنه رضخ لضغط أمين تنظيم حزب سياسي ويفرض في استقلال النقابة... فعلاً فرق شاسع بين نقيب ونقيب، رحم الله البرادعي والشوربجي وأحمد نبيل الهلالي وكل من دافع عن استقلال النقابة.